الهجوم على الإسلام والقرآن ورسول الإسلام منذ فجر الإسلام إلى يوم الناس هذا كان الشغل الشاغل لأعداء هذا الدين.
وسيظل الأمر كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مصداق ذلك قوله تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} (البقرة: 217).
بالمقابل، لا يزال الغيورون على الإسلام يتصدون للدفاع عن هذا الدين، ويصدون كل من تسول له نفسه النيل منه بسوء، عزاؤهم في ذلك قوله سبحانه: {والله متم نوره ولو كره الكافرون} (الصف: 8).
في هذا السياق يأتي كتاب (القرآن والمبشرون) للشيخ محمد عزة دَرْوَزة ليسد مسداً في الدفاع عن القرآن ورسول القرآن، وشريعة الإسلام. نحاول في هذه السطور أن نتعرف على هدف الكتاب ومحتواه، ونستبين مكانته في المكتبة القرآنية.
الهدف من الكتاب:
يذكر المؤلف أن دافعه لوضع كتابه هذا ما قرأه من كُتُب لشخص سمى نفسه (الأستاذ الحداد) تحت عنوان مشترك (دروس قرآنية)، مع عناوين أُخَرُ لكل كتاب، منها (الإنجيل والقرآن)، و(القرآن والكتاب)، و(نظم القرآن والكتاب).
وقد ضمَّن (الحداد) كتبه هذه أقوالاً وبيانات وروايات وتحليلات عن القرآن ومضمونه ونظمه ولغته وترتيبه؛ وعن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ورسالته وصلتها بأهل الكتاب.
فيها الغريب العجيب المذهل من التخرص والتعسف والتجني والمجازفة وتحريف الكَلِم عن مواضعه، واللعب بالألفاظ، وعدم التورع عن أقوال فيها افتراء وسوء أدب نحو القرآن، ورسول الله، وكُتَّاب وحيه، وأصحابه الأولين وتابعيهم ونسبة الدس والزيادة في القرآن إليهم.
إذن، هدف المؤلف الرئيس من وضعه لهذا الكتاب الرد على (الحداد) ومن كان على شاكلته من المستشرقين ومن نهج نهجهم؛ وذلك بشرح مفهوم التوراة والإنجيل في القرآن ثم في الواقع.
وبيان مفهوم وواقع أسفار العهد القديم والعهد الجديد أولاً؛ والرد ثانياً على المزاعم والدعاوى والأقوال والتأويلات والافتراءات والتنطعات التي تساق بقصد التجريح والتهوين والتشكيك.
مضمون الكتاب:
تضمن الكتاب مقدمة وفصلين رئيسين؛ أما المقدمة فقد تحدث فيها المؤلف عن دواعي تأليف الكتاب، وتنبيهات على ما يقع فيه المبشرون من سوء فهم وسوء استيعاب للقرآن.
الفصل الأول جاء تحت عنوان (التوراة والإنجيل وأسفار العهد القديم والجديد في القرآن والواقع). وقد عالج المؤلف في هذا الفصل ثلاث نقاط أساسية:
أولها: وصف أسفار العهد القديم وتاريخها ومحتوياتها.
استدل (الحداد) على صحة التوراة والإنجيل المتداولة اليوم ببعض الآيات القرآنية، كقوله تعالى: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} (المائدة: 43) ونحوها.
وقد أوضح المؤلف أن كل ما يمكن أن تعنييه هذه الآيات هو أن التوراة والإنجيل اللذين ذكر القرآن أن الله أنزلهما على موسى وعيسى كانا موجودين في أيدي اليهود والنصارى في زمن النبي.
وأن المقصود القرآني من كلمة (التوراة) هو الكتاب المنزل من الله على موسى. في حين أن المتداول اليوم هو مجموعة ضخمة من أسفار عديدة منفصل بعضها عن بعض، وبأسماء مختلفة وعددها مختلف عند فريق وآخر، وتسمى بالعهد القديم.
كما بين المؤلف في هذا الصدد أن الأسفار المتداولة اليوم تمتزج الحقائق فيها بالخيال والمبالغات والمفارقات والأكاذيب، وفيها دلالات كثيرة على أنها كُتبت بعد مدة من الأحداث والوقائع المذكورة فيها، وأنها كتبت بأقلام متعددة، وفي أزمنة مختلفة. وجاءت حكاية الأحداث في بعضها متباينة لما جاء في بعضها الآخر، أو مناقضة لها، أو زائدة عليها، أو ناقصة.
وخَلَصَ المؤلف إلى أن اسم التوراة المذكورة في القرآن، والتي يلتزم المسلمون بالإيمان بها. لا يمكن أن يَصْدُق على مجموعة أسفار العهد القديم، ولا على أي سِفْر منها. وأن التوراة المنزلة على موسى عليه السلام كانت متداولة في أيدي اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فُقدت فيما بعد جراء ما أصاب اليهود من تشرد ومحن.
ثانيها: وصف أسفار العهد الجديد وتاريخها ومحتوياتها.
فيما يتعلق بهذه النقطة بيَّن المؤلف أن النصوص القرآنية تفيد أن الإنجيل كتاب واحد أنزله الله على عيسى، في حين أن النصارى اليوم يعترفون ويتداولون أربعة أناجيل. وأن هذه الأناجيل الأربعة كُتبت بعد عيسى بمدة.
وأن التباين والتناقض والمبالغة والتوهمات فيما جاء فيها يجعل قول من يقول: إنها كتبت بإلهام الله في غير محله البتة. وخَلَصَ المؤلف إلى أن الأناجيل الأربعة المتداولة اليوم لا يمكن أن يَصْدُق عليها، ولا على أي واحد منها الوصف الذي وصف القرآن الإنجيل به.
ولا يصح أن ينسب أي منها لله والمسيح. وما دام أنه لا يوجد اليوم إنجيل يصدق عليه وصف القرآن، فلا مناص من القول: إنه قد فُقِد في ظرف ما كما فُقِد سِفر توراة موسى.
وقد استدل المؤلف لما قرره بجملة أمور؛ منها: أن في القرآن تقريرات وأقوال عديدة عن عيسى ليست واردة في الأناجيل المعترف بها، كإنزال المائدة على عيسى. ومنها: أن الأناجيل الأربعة تذكر أن عيسى عليه السلام قد صُلب ومات ثم قام، ولكن القرآن ينفي ذلك.
ويذكر المؤلف في هذا السياق أن (الكتاب المقدس) مصطلح حديث، يطلقه النصارى على مجموعة أسفار العهد القديم، ومجموعة أسفار العهد الجديد معاً المتداولة اليوم.
ثالثها: تنبيه على ما يقع فيه المبشرون من سوء فهم وسوء تأويل لأحاديث تدوين القرآن.
تحت هذه النقطة يرد المؤلف على استدلال (الحداد) على عدم صحة القرآن بحديث نزول القرآن على سبعة أحرف. ويقرر في هذا الخصوص أن مصحف عثمان الذي يتداوله المسلمون اليوم هو طبق مصحف أبي بكر، وهذا المصحف قد جمع كل ما تركه النبي قرآناً غير منسوخ وغير مرفوع، وهو مرتب وفق ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم في سوره وآياته.
كما دفع المؤلف ما استند إليه (الحداد) من روايات تذكر أن ثمة آيات وسور كانت تتلى ولم تكتب في مصحف عثمان، وأنه كان لبعض أصحاب رسول الله مصاحف مغايرة.
الفصل الثاني تصدى فيه المؤلف للرد على مسائل رئيسة تعرض لها (الحداد) تتصل بالقرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم، والرسالة الإسلامية وصلتها بأهل الكتاب وكتبهم المتوهمة. وكشف ما وقع فيه (الحداد) من أخطاء وتخرصات وأوهام وافتراءات وسوء أدب. أما القضايا الرئيسة التي عالجها المؤلف في هذا الفصل فهي وفق التالي:
أولاً: كتابية القرآن والدعوة الإسلامية في العهد المكي:
محصل هذه الدعوى، أن الدعوة المحمدية كانت في العهد المكي كتابية إنجيلية توراتية مسيحية يهودية، وأن القرآن نسخة عربية من الكتب السماوية السابقة.. .
وأن محمداً كان متأثراً إلى أبعد الحدود باليهود والنصارى واليهودية والنصرانية. وأن الدعوة القرآنية لم تحمل طابع الاستقلال الذاتي عن الطابع التوراتي إلا في آخر العهد المكي.
وقد دفع المؤلف هذه الدعوى بقوله: إن الدعوة المحمدية دعوة كتابية لا على اعتبار أنها توراتية إنجيلية، ولكن على اعتبار أنها مستندة إلى كتاب سماوي. وقرر في هذا الصدد أن الرسالة المحمدية رسالة جديدة ذات شخصية مستقلة، جاءت لدعوة الناس جميعاً، وتصحيح ما هم عليه من انحرافات.
ثانياً: زعم الانقلاب الشامل للنبي وأساليبه في العهد المدني:
مؤدى هذه الدعوى أن انقلاباً شاملاً طرأ على النبي ودعوته بعد الهجرة إلى المدينة بسبب تدخل السياسة في الدين؛ حيث انقلب الداعية إلى رجل دولة وحرب! وقد دفع المؤلف هذه الدعوى، مقرراً أن النبي صلى الله عليه وسلم صار رجل دولة حقاً بالإضافة إلى نبوته ورسالته.
ولكنه لم يكن في هذا مناقضاً لمهمة النبي والرسول، بل من صميمها من حيث المبدأ. كما بين المؤلف أن آيات القتال لم تُشرع بقصد إكراه الآخر على الإسلام، وإنما شُرعت لقتال المعتدين على الإسلام والمسلمين.
ثالثاً: صفة النبي في القرآن المكي ومزاعم (الحداد) في صدد ذلك:
زعم (الحداد) - استناداً إلى كثرة الآيات التي تصف الرسول بالنذير والبشير - أن محمداً حرص على أن يقدم نفسه للناس بشيراً ونذيراً، دون أن يكثر من وصف نفسه بالرسول والنبي. وقد فنَّد المؤلف هذه الدعوى.
مبيناً أن فحوى الآيات التي فيها كلمات: مبشر ومنذر، إنما تتحدث عن مهمة رسل الله وأنبيائه أكثر منها صفة لهم. وقرر أن ثمة آيات كثيرة جمعت بين صفة البشارة والإنذار وصفة الرسالة والنبوة.
رابعاً: زعم قومية الدعوة الإسلامية وعروبتها دون عمومها وإنسانيتها وعالميتها:
حاصل هذا الزعم أن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم الحقيقية إنما كانت في إقامة وحدة عربية تحت سلطان سياسي ديني عربي قومي. وقد دفع المؤلف هذا الزعم، بتقريره أن في القرآن آيات عديدة تفيد شمول الدعوة وعمومها وعالميتها.
خامساً: زعم بدائية الدعوة الإسلامية وسلبيتها:
زعم (الحداد) أن الدعوة القرآنية في مكة كانت دعوة بدائية سلبية. وقد ردَّ المؤلف هذا الزعم، موضحاً أن الدعوة إلى الله من أهم أهداف وأساليب الدعوة القرآنية في مكة، وهذا لا يصح أن يعد سلبياً، وإنما هو مقتضى الظرف القائم.
وقرر أيضاً أن القرآن المكي يحتوي من الإيجابية في شؤون الدين والدنيا والإنسانية ما فيه الشمول والسمو والاستجابة لكل مطلب. وخَلَص أخيراً إلى أنه ليس في القرآن المدني أمر متصل بشؤون الدنيا والآخرة إلا وله أساس في القرآن المكي.
سادساً: مزاعم (الحداد) في نظم القرآن:
زعم (الحداد) أن إعجاز القرآن إنما هو في نظمه فحسب. وقد دفع المؤلف هذا الزعم مقرراً أن إعجاز القرآن بالدرجة الأولى إنما هو في محتواه. كما رد المؤلف في السياق ذاته على مزاعم أثارها (الحداد) تتعلق بنزول القرآن منجماً، وترتيب سوره وآياته، ومسألة النسخ في القرآن، وفند المزاعم المتعلقة بإسقاط بعض سور القرآن وآياته.
سابعاً: صفات المسيح وأمه عليهما السلام وعقائد النصارى فيهما في القرآن:
أراد (الحداد) أن يثبت من خلال أوصاف المسيح وأمه في القرآن لاهوتية المسيح، واعتقاد محمد بذلك. وقد فند المؤلف كل المزاعم المتعلقة في هذا الشأن، وبين حقيقة المسيح وأمه مريم عليهما السلام.
ثامناً: في صدد حالة اليهود والنصارى في القرآن والإسلام:
حاول (الحداد) في كتبه أن يُظْهِر أن الخلاف بين النبي صلى الله عليه وسلم من جانب واليهود والنصارى من جانب آخر إنما هو مجرد خلاف سياسي وطائفي للزعامة في الحجاز، وليس الخلاف دينياً. وقد دفع المؤلف تلك المزاعم وأوضح حقيقة رسالة النبي عليه الصلاة والسلام.
هدف (الحداد):
ذكر المؤلف - وهو قد قرأ كل ما كتبه (الحداد) وأمثاله مما له صلة بالقرآن - أن هدف (الحداد) تفريغ القرآن من صفته الأصلية ككتاب موحى من الله عز وجل، وكرسالة خاتمة فيها كل أسباب هداية البشر وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة. وهدف (الحداد) من وراء ذلك أن يصد بني ملته عن القرآن ونور القرآن ورسول القرآن، ودين القرآن الذي رشحه الله ليكون دين البشرية جمعاء.
هذا، ويلفت المؤلف انتباه قارئه إلى مناقضة (الحداد) نفسَه، حيث يستشهد بالقرآن والحديث وهو غير مؤمن بهما. بل هو ساع للتشكيك بهما ونقدهما في آن معاً!
وقد أكد المؤلف في خاتمة كتابه أن الدعوة القرآنية تظل موجهة بكل مداها وأهدافها إلى اليهود والنصارى لفلاحهم وخلاصهم.
وعلى الجملة، فإن الكتاب فيه كَشْفٌ للحقائق المتعلقة بالقرآن الكريم، ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه رد على كثير من الشبه التي ما فتئ يرددها كثير من المبشرين والمستشرقين والحاقدين على هذا الدين.
تضمن الكتاب بين جنبيه أربعمائة وستين صفحة أو يزيد. وصدر منه عدة طبعات. والطبعة المعتمدة هنا هي طبعته الثانية، صادرة عن المكتب الإسلامي في بيروت: هـ 1392- 1972م.
المصدر: موقع إسلام ويب